هل سبق وشاهدت فيلم The Banshees of Inisherin الذي عُرض مؤخراً في السينما؟ إذا كنت شاهدته بالفعل فمن المرجح أنك أيضاً تابعت الضجة التي انتشرت في اليومين الماضيين حول صعود أنثى الحمار جيني، التي شاركت في الفيلم، على المسرح مع المذيع الساخر جيمي كيميل في حفل توزيع جوائز الأوسكار!
بالرغم من أنها لم تكن الحمار جيني الحقيقية التي ظهرت في الفيلم، لكنها بالفعل كانت مزحة لطيفة وخفيفة، ربما لأن الفيلم لفت أنظار الكثيرين لمدى لطف هذا الكائن المتواضع والمهدور حقه في الكثير من البلاد.
سواء كنت تعيش في واحدة من البلاد التي نادراً ما ترى فيها الحمار يمشي في الشوارع، أو إن كنت تراه بصورة شبه يومية في إحدى البلاد الأخرى، فدعنا لا ننكر حقيقة أن الحمار هو أحد الحيوانات التي غيرت وأثرت على تاريخ الإنسان بصورة أساسية ومباشرة، ولذلك فنحن نحتاج لإلقاء الضوء عليه بصورة أكبر.
ما الذي يملكه الحمار ويجعله مختلف عن باقي أقرانه؟
قد لا يكون هو من أجمل الحيوانات مظهراً أو أسرعها كما هو قريبه المشهور الحصان! إلا أن الحمار له قوة تحمل عظيمة، فهو يستطيع التكيف مع الأجواء الجافة والحارة بطريقة ممتازة، كما أن لديه القدرة على حمل أوزان ثقيلة لمسافات بعيدة، فهو يمكنه حمل مقدار 20%-30% من وزنه! وتلك الصفات هي بالضبط ما احتاج البشر لاستغلالها خاصةً في أفريقيا وشبه الجزيرة العربية منذ آلاف السنين.
عمل فريق من الباحثين مكون من 49 عالِم من 37 معمل حول العالم على تتبع تطور شكل المادة الوراثية في 207 من الحمير المعاصرة، بالإضافة إلى 31 حمار أثري يصل عمر بعض منهم ل 4500 سنة مضت! وذلك لمحاولة التوصل لأصل الحمير وتاريخ تدجينها أو استئناسها.
لنعود بالزمن قليلاً إلى الوراء
تُرجح الدراسات أنه منذ أكثر من 7,000 عام عندما زادت مساحة الصحراء الكبرى وأصبحت أكثر جفافاً عن أي وقت مضى، بدأ تدجين الحمار البري في كينيا والقرن الأفريقي، وحينها وجد البشر في تلك البقعة من العالم أن الحمار هو
واحد من أنسب الوسائل التي يمكن أن يستخدمونها للتكيف مع تلك الظروف القاسية، واستخدموه في حملهم وحمل أمتعتهم والتنقل بهم من مكان لآخر لمسافات طويلة. كما تم الاستعانة بالحمير فيما بعد في قيادة المركبات الحربية وفي نقل المؤن للجيش، وفي التجارة ونقل البضائع من بلد لأخرى.
كانت تلك هي البداية، ومن بعدها بدأت تنتشر تجارة الحمير في السودان ومصر ومنها لخارج أفريقيا، حيث آسيا وأوروبا بعد نحو 500 عام أخرى.
الحمار من منظور آخر
بالرغم من أنه يستخدم بعض الناس اسم الحمار لوصم الآخرين بالغباء، إلا أن العلماء يعتقدون أن الحمار كان بالفعل حيوان له أهمية كبيرة في الماضي بعيدة بعداً تاماً عن العصر الحالي، وما دعم اعتقادهم هذا أنهم وجدوا عظامه مدفونة مع فئات مختلفة من الناس في مصر وبلاد ما بين النهرين في الفترة ما بين عامي 3300 و 1200 قبل الميلاد، حتى أنه في بعض الحالات وجدوه مدفون في مقابر الحكام والملوك!
الزمن الذي كانت الحمير فيه كائنات ضخمة!
أحد أهم الاكتشافات التي توصلت لها فرق علماء الآثار في الفترة الماضية كان في قرية فرنسية تبعد نحو 280 كم عن شرق باريس، حيث عثروا هناك على بقايا من بعض الحمير الأثرية التي يمكنك أن تصفها بالعملاقة مقارنة بحمير اليوم وحتى ببعض الخيول! وذلك حسب تصريحات لودفيك أورلاندو مدير مركز الأنثروبولوجيا والوراثة في مدينة تولوز الفرنسية.
يصل ارتفاع تلك الحمير الأثرية ل 155 سم في حين أن ارتفاع الحمير المعاصرة يصل ل 130 سم كحد أقصى. يُرجح أورلاندو أن الحمير الضخمة كانت تلعب دور كبير وهام في اتساع الإمبراطورية الرومانية في ذلك الوقت، حتى أنه في الفترة ما بين القرن الثاني والخامس يرجح أورلاندو أن الرومان كانوا يعملون على تهجين تلك السلالة بتزاوجها مع الخيول حتى ينتج حيوان البغل الذي طالما وفر لهم العون في نقل المعدات الحربية والبضائع، وذلك بسبب سرعته الكبيرة وفي نفس الوقت قدرته على حمل الأوزان الثقيلة لمسافات بعيدة.
حتى الحمار لم ينج من الصيد الجائر!
بالرغم من أنه في بعض الأجزاء من العالم لا يمكن الاستغناء عن الحمار في تنفيذ الأعمال اليومية المختلفة، خاصةً في تلك القرى التي تعتمد على الزراعة كنشاط رئيسي، إلا أنه مازالت هناك بعض الانتهاكات التي تحدث في حق الحمير في عصرنا الحالي والتي تهدد أعداد الحمير في العالم، كما يحدث في الصين حيث يتم المتاجرة بجلودهم من أجل استخلاص مركب جيلاتيني يطلق عليه اسم Ejiao، والذي يدخل في الكثير من المنتجات التجميلية والعلاجية على حد زعمهم.
أصبحت أعداد الحمير التي يتم قتلها بسبب هذا المركب تزيد كل يوم وخاصةً من أفريقيا التي هي الموطن الرئيسي لهم، ولذلك تم بالفعل منع وتقنين تجارة الحمير في العديد من البقع في العالم، في مالي، والنيجر، والسنغال، وجنوب أفريقيا، وبوركينا فاسو، وتنزانيا، في محاولة منهم للحفاظ على أعداد الحمير وحمايتهم من تلك الاعتداءات البشرية.
في النهاية علينا أن ندرك أنه لكل مخلوق على وجه الأرض فائدة وغرض ما للبشرية، وعلينا أن نستغل تلك الفوائد أفضل استغلال بدون أن نؤذيهم أو نجور على حقوقهم في العيش بسلام على الكوكب مثلنا تماماً، بل وعلينا أن نكون دائماً ممتنين لخدمتهم المخلصة لنا.
أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية
بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك